وقد أجمعوا أمرَهم على تحريضِ العقولِ على نبذِ المفاهيمِ الفاسدة [بالوسائل المشروعة] حيثما وُجِدتْ، وحثِّها على اكتسابِ الجديد النافعِ مهما استبعد. وإنَّهم لحربٌ عوَان على كلِّ ما يشينُ فكرَ الإنسانِ، وما يعكّر صفاءَ روحِه ونقاءَ فطرتِه، و يحبسُ طاقاتِه الخلاقةَ، و يذلُّ نخوتَه، وينتهكُ كرامتَه، ويهضمُ حقَّه، ويقيّدُ حريتَه بقيودِ السياسةِ والدينِ والجنس.
وإذا كانوا ائتلفوا على خيرِ الإنسانِ، وحبِّ الطبيعةِ والحيوانِ، والنقمةِ على الأعرافِ والتقاليدِ والأفكارِ السميجةِ اللميجة؛ فإنَّهم اختلفوا في أساليبِهم، وفي طرقِ بيانِهم، فذهبّ كلٌّ مذهبَه الخاصَّ في التعبير، متخيّراً لنفسِه القالبَ الفني الذي يستوعبُ خلجاتِ فكرِه، ونفثاتِ وجدانِه، وجموحِ خيالِه. وهذا شأنٌ من شؤونِ الإنسان بالفطرةِ؛ يدلُّ على التفرّدِ والتخصّصِ. ولا يكونُ المرءُ إلا متفرداً بأسلوبِهِ عن أخيه مهما قويت بينهما اللُّحمةُ، وتماثلت الطبائعُ والأمزجةُ . ومن هنا جاءَ قولُهم الصائبُ: " الأسلوبُ هو الإنسان " أي هو الشخصُ بعينه، وليس غيرَه.
وإنه ليسرُّنا أن ينضمّ إلينا الكتّابُ الذين تشرقُ إبداعاتُهم بحبِّ الإنسانِ، وسنا الكلمة الحيّةِ الطيبة الجميلة، على اختلاف مواقعهم ولغاتهم.
